نهاية عام و بداية عام

بسم الله الرحمن الرحيم

اَزفْ رَحيلْ هَذا العَامْ ..

فهَا قدْ انتهَى التَقويمْ وتَناثرتْ أوراقهْ ..

وانتهَى بإِنتهائهْ عَامُ كاملًُ ..

قُوّضتْ خِيامهْ .. وتَصَرّمتْ أيامهْ.. ويَشدْ رِحالهْ .. وطَوى سِجلهْ ..

وخُتم عَملهْ.. رَبحْ فيهْ منْ رَبحْ.. وخَسِرْ فِيهْ منْ خَسِرْ..

انقضتْ سَنةْ كَاملةْ بكلْ مَا فِيها مِنْ طَاعةْ وعِبادةْ وذُنوبْ وَمعاصيْ وآثامْ .. عَامْ كَاملْ رَحلْ بِليلهْ ونَهارهْ .. وبِحسناتِهْ وسَيئاتِهْ.. وقدْ حَوى بينَ جَنبيهْ حِكماً وَعبراً، وأحداثاً وعِظاتْ، فَلا إِلهَ إِلا الله، كمْ شقيْ فيه مِنْ أُناسْ،وكمْ سَعِد فيهْ آخرونْ ؟

~‏ هـلْ أنــت ~‏

مِمَنْ أحسنَتْ فيهْ واستقامْت ؟ إن كُنتِ كذلك فهنيئاً لك ..

أَما إن كنت مِمَنْ أَسَأتَ فيه و ارتكبتَ المعَاصي فلتقف اليومَ مع نفسكْ محاسباً لها.. ولاَبدَ لَنا في هذهْ العجالةْ البسِيطةْ أنْ نَقفْ وقْفةْ المُحاسبْ للنَّفسْ لأنَ منْ حَاسبْ نَفسهْ في الدُنيا نَجا مِنْ الحِسابْ يومْ القِيامةْ ..

وقَدْ يكونْ مِنْ السَهلْ عَلى المسلم أن يحاسبْ نَفسهَ في الدُنيا ويَسْتدركْ مَا فَاتهَا ويسْتغفرْ ويَتوبْ، ولكنْ كَيفْ لَهاَ أنْ تَتحملْ الحِسابْ يَومْ القِيامةْ فَهذَا الرَسولْ – صَلى الله عَليهْ وسَلمْ – يَقول:
{ مَنْ نُوقشْ الحِسابْ فَقدْ عُذبْ }.

وذَلكْ أنْ الإنْسانْ يَقفْ أَثناءْ المُحاسبةْ أَمامْ مَلكْ المُلوكْ ورب العالمين فَينظرْ يمينهْ فلا يَجدْ إلا مَا قدمْ، وَينظرْ يَسارهْ فلاَ يَجدْ إلا مَا قدمْ، ويَنظرْ مِنْ أَمامهْ فلاَ يَجدْ إلا الجنةْ، ويَنظرْ مِنْ خَلفهْ فلا يجدْ إلاَ النارْ، فَطوبَى لِمنْ حَاسَبَ نَفسه فِي الدُنيا وعَافاه الله مِنْ حِسابْ يَومْ القيامةْ.

وإنْ كنّا قدْ نَسينَا مَا فَعلناهْ فِي هَذا العامْ مِنْ حَسناتْ وسَيئاتْ فلنثقْ أنْ كُلْ ذلكْ مُسجلْ فِي صَحائِفْنَا فِي كِتابْ لاَ يَضلْ رَبي ولاَ ينْسَى.
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } الكهف49
{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } طه52

~‏ تَذكـــرِ ~‏

إنْ الإقَامةْ فِي هذهْ الدُنياَ مَحْدُودةْ، والأَنْفاسْ مَعْدُودةْ، وتَذكر بِرحيلْ العَامْ رَحيلكْ عَنْ هَذهْ الدُنيَا، فَرُبمَا لمْ يَبقى مِنْ عُمركِ إلا ثَواني أو سَاعاتْ أو أيامْ .. فاغتنم زَمنْ المُهلةْ وبَادر بالأَعمالْ الصَالحةْ قَبلْ أنْ يُحالْ بَينك وبَينها وَعِندهَا لاَ يَنفعْ النَدمْ !! {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ .. قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ .. كَلَّا .. إِنَّهَا كَلِمَةٌ .. هُوَ قَائِلُهَا .. وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100} فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ{101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{103} تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ{104} أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{105} قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ{106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ{107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ{108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ{109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ{110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ{111} قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ{112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ{113} قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{114} أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ{115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ{116} وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{117} وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ{118} .......... سورة المؤمنون

و تذَكر قَولْ المُصطَفى- صَلى الله عَليهْ وسَلمْ - { لاَ تَزولَ قَدمَا عَبد حَتى يُسألْ عَنْ أَربعْ: عَنْ عُمرهِ فِيمَا أَفْناهْ ؟ و عَنْ عَلمهِ ماذا فَعلَ فِيهْ ؟ و عَنْ مَالهْ مِنْ أَينَ اَكتسبهْ و فِيمَا أنفقهْ ؟ و عَنْ جِسمهْ فِيمَا أبْلاهْ ؟ }

~‏ العَـامْ الجَدِيــدْ ~‏

لِنضعْ في حُسباننا أنْ كُلَّ يومْ يَمرْ علينَا مَا هُو إلاَ يومْ مِنْ أيَامْ العُمر ؛ فَالأوْلى بِنا أنْ نُحاسبْ أنْفسنَا كُلَّ يومْ لِكي لاَ يَجتمعْ علينَا آخرْ العامْ .. ونُحافظْ عَلى ذلكْ الكَنزْ ألا وهْو نِعمةْ الأيَامْ واللحَظاتْ، ولِنَتزَودْ مِنهَا مَا اسْتطعنَا ونَملأهَا بِذكرْ الله وعِبادتهْ .. فنحن فى هذه الدنيا على سفر .. ولكل سفر زاد .. فما
هو زاد هذا السفر ... ؟ {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ .. وَتَزَوَّدُواْ .. فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } البقرة197

نَأمل أنْ يكونَ عَامُنَا الجديدْ مليئاً بالطاعاتْ .. والحرصْ على زيادةْ شحنْ قلبكِ بالإيمانْ ..

أنْ يكونْ عاماً حافلاً بعَمل الخيراتْ .. ومُساعدةْ المُحتاجينْ والمَساكينْ والفُقراءْ ..

أنْ يكونَ عامَاً يجْمع في أيامهْ آلافْ الأَعْمالْ التي تُكافؤْ بالحسناتْ ..

أنْ يَكونْ العَزمْ علَى الحُصولْ علَى الكَثيرْ مِنها مَبلغاً وغَاية...........

أنْ يكونَ عاماً مليئاً بالخطواتْ الكبيرةْ للرفْع منْ رايةْ الإسلامْ .. منْ لا إله إلا الله.. ومُحاولةْ نَشرَها في كُلّ الأَمكنةْ وأنْ تَعكسْ بمرآةْ كَبيرةْ جَمالَ الإسْلامْ وَ رقيهْ وعَظمةْ الله وَرسولهْ ..

أنْ يكونَ عاماً أقربْ أقربْ أقربْ إلى الله.

أنْ يكونَ عاماً مليئاً بالعلومْ، والاصرارْ على أنْ يكونَ مُنيراً وهّاجاً ..........

أنْ يكونَ عاماً مليئاً بالشغفْ للحصولْ على المزيدْ والكثيرْ منْ المعلوماتْ المُفيدةْ في علومْ الدينْ والدُنيا.............

أنْ يكونَ لكِ في كلّ بَحر منْ العُلومْ قطرةْ، أنْ تنوي أنْ يكونَ لكِ دوراً في النهوضْ والرقي بالأمهْ.

فَمنْ أحْسَنَ اسْتغلالْ الأيَامْ واللحظاتْ كَانتْ سَببا فِي رَفعْ مَنزلتهَ وَعظمْ ثَوابَه ومُضاعفتَها.

ومنْ أسَاء اسْتغلالْ تِلكْ الأيامْ واللحظاتْ كانتْ عَليه حَسرةْ ونَدامةْ وخُسْرانْ يومَ أنْ تَقولْ النَفسْ

{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } (الزمر : 56 )

فلْنعقدْ العَزمْ عَلى مُحاسبةْ مَا مَضَى مِنْ أَيامنَا،ولنَعقدْ العَزمْ عَلى الحِفاظْ عَلى لَحظاتنَا القَادِمَة واستغْلالهاَ فِيما يُرضى الله وفِيماَ يعودْ عَليناَ وعلى أُمتناَ بالفائدةْ.

~‏ ختاماً ~‏

اللهُم يَامُقلِّبْ القُلوبِ والأبْصارِ ثَبِّتْ قُلُوبنَا عَلى طاَعَتِكَ ولاَ تُزغْ قُلُوبناَ بعْد إذْ هَديتناَ ولاَ تفْتناَ في ديننَا واجْعلْ يَومناَ خيراَ منْ أمْسناَ , واجْعلْ غَدناَ خَيراً منْ يَومناَ , واجْعلْ خَيْرَ أَعْمارناَ أَواخرهاَ , وخَيْرَ أَيِّامناَ يومَ نَلْقاكَ وأنتْ راضٍ عناَ ..

وصلَى اللهم وسلم علىَ نبينا مُحمدْ وعلى آلهْ وصحْبه أَجمعينْ